لقد خلق الله الإنسان وحباه بنعمة العقل الذي هو وظيفة المخ ، ولقد ميز الله مخ الإنسان بتلك القشرة المخية والواسعة المساحة ، التي تتحكم في كل الوظائف الحياتية فتنظمها حسب نظام دقيق قد وضعه الخلاق العليم .. وجعل كل شيء فيه بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص لأن أي تدخل لزيادة أو إنقاص أية عملية عقلية فان هذا النظام يرتبك ويختل ويؤدي إلى نتائج وخيمة على ذلك الشخص الذي سمح بهذا التدخل في تأدية وظائفه الحيوية .
ولكي يحافظ الإنسان على حياته فإن عليه أن يأكل وان يشرب .. ولكي يحافظ على بقاء جنسه فان عليه أن يتزوج ويمارس العلاقة الزوجية الطبيعية .. حتى لا تكون هذه العمليات المهمة من مأكل ومشرب وجنس وعمليات روتينية مملة يقوم بها الإنسان وكأنه مجبر عليها .. فقد جعل الله هذه العمليات ممتعة تجلب السعادة النشوة فيأتيها الإنسان وهو مقبل عليها ويشعر أثناء القيام بها بلذة قد تكون محدودة ولكنها تصبح دافعاً لأن يقوم بوظائفه الطبيعية لكي يحافظ على بقائه وبقاء جنسه . والنشوة التي يشعر بها الإنسان أثناء قيامه بهذه الوظائف تأتى بسب آلية معينة تقوم بها عدة مراكز بالمخ .. إذ تفرز هذه المراكز مواد كيميائية معينه ..
وعندما تتباين هذه المواد فان تياراً كهربياً ضعيفاً ينتج عنها ويسير في ألياف عصبية تصل بين هذه المراكز وتتحدد النشوة حسب قوة التيار وشدته وما يستغرقه من وقت قد يطول وقد يقصر حسب بناء الشخص الجسدي والنفسي .. ولكن عادة ما يستغرق دقائق معدودات ولا تتعدى في الغالب بضعة أجزاء من الساعة لأنها لو طالت عن ذلك .. أو زادت في شدتها فقد تؤدي إلى مضاعفات ، الإنسان في غنى عنها .. فالإنسان عندما يجوع يجد نفسه مدفوعاً لان يأكل ..
وعملية الأكل ونوعيته تعطيه لذة معينة ولكنه بعد بضع دقائق قد تصل إلى ربع أو نصف الساعة يشعر بالشبع وتنتهي اللذة فكيف عن ذلك لأنه إذا استمر في الأكل فانه يصاب بالتخمة وعسر الهضم ثم السمنة كما انه يرهق الجهاز الهضمي والكبد وما يتبع ذلك من مضاعفات صحية وهذه القاعدة تنطبق على الشرب فعندما يشعر الإنسان بالعطش فانه يشرب الماء أو غير ذلك من العصائر فإذا ارتوى عطشه فان لذة تناول هذا الشراب تقف فكيف عن الشرب لأنها لو استمرت واستمر الإنسان في الشرب فانه يصاب بمضاعفات صحية قد تكون خطيرة وكذلك الجنس فعلى فترات تختلف باختلاف طبيعة الشخص الجسدية والنفسية والعمرية يجد الإنسان البالغ نفسه يريد أن يمارس الجنس فإذا قام بذلك فان هذه العملية وما يصاحبها من النشوة تنقطع في غضون دقائق معدودة لأنه إذا استمرت النشوة وتتابعت الممارسة فان ذلك يصيب الشخص بالإرهاق والإعياء ومضاعفات آخرى عديدة.
والمادة التي تفرزها مراكز المخ التي تسبب النشوة هي مادة الدوبامين التي تسبب تيارا كهربيا ضعيفا يسير في الألياف العصبية التي تصل بين هذه المراكز والتي تقع ضمن الجهاز الحوفي في المخ الذي يقع في المنطقة التي تصل حافة القشرة المخية بما تحتها من مراكز تتحكم في الوظائف العقلية وقد أطلق العلماء على هذه الدوائر من الألياف العصبية والمراكز المخية التي تصلها دوائر النشوة التي تعمل بنظام المكافأة أي أن هذه النشوة التي يشعر بها الشخص أثناء ممارسته هذه العمليات الحيوية المهمة تصبح بمثابة مكافأة له لكي يعاود هذه الممارسة حتى تستمر الحياة وتتكاثر البشرية لكي تعمر الأرض كما أراد لها الله العلي الحكيم.
ولكن بعض الناس يجتاحهم المطمع ولا يقنعون بهذه اللحظات المليئة بالنشوة والسعادة ويريدون زيادتها والعيش فيها أطول مدة ممكنة ولقد وجد هؤلاء أن تناول بعض الموادالمخدرة يزيد من هذه اللذة ويضاعف مدتها ويجعلهم يعيشون الحلم السعيد أطول مدة ممكنة فيقدمون على تعاطي هذه المواد ويعاودان التعاطي حتى يقعوا فريسة الإدمان لان هذه المواد.. وان كانت تزيد من النشوة بالمخ ..فان هذه الدوائر سرعان ما تتعود على هذه المواد فتقل استجابتها لها مما يدفع الشخص إلى زيادة الجرعة المرة بعد المرة جرياً وراء اللذة التي تتباعد رويداً رويداً حتى تأتي مرحلة تختفي فيها هذه النشوة تماماً.. ولا يصل إليها الشخص مهما كانت الجرعة التي يتناولها والتي تسبب له تسمماً عقاقيرياً .. قد يفضي به الى الموت ..
فإذا ما تبين للشخص وهم النشوة التي يجري وراءها .. وأنها قد أصبحت بعيدة المنال .. فيحاول أن يتوقف عن التعاطي ..فإنه يشعر باشتياق جامح لتناول هذه المادة الذي تصاحبه أعراض جسدية ونفسية تعرف بالأعراض الانسحابية .. التي تكون مؤلمة جداً لدرجة لا يستطيع الشخص تحملها فيعاود التعاطي ليس جرياً وراء النشوة كما كان في السابق .. ولكن تحاشياً للأعراض الانسحابية الشديدة التي لا يستطيع منها فكاكاً إلا بمعاودة التعاطي .
إن المدمن يضر نفسه بنفسه .. ولا يخرج من ذلك بأية فائدة ولا حتى الشعور بالنشوة التي تعاطى ما تعاطاه من المواد المخدرة والمنشطة جرياً وراءها.
أن النشوة التي جعلها الله في تناول الطعام .. واحتساء الشراب .. وممارسة الجنس تصبح غير ذات معنى لدى المدمن .. لأن النشوة العارمة التي يشعر بها عندما يتناول جرعة هيروين عن طريق الوريد مثلاً تصبح هي الغاية وليست الوسيلة فقط .. وبذلك يكف المدمن عن ممارسة الجنس ..لأنه اصبح لا يستشعر نشوة بجانب نشوة تعاطي المخدر .. بل أن نفسه تعاف الطعام لأنه لا يستطعمه كذلك .. وقد يصل به الأمر حتى الى عدم الشرب .. لان الماء وغير ذلك من أنواع الشرب المختلفة أصبحت ليست بذات قيمة لديه .. فالقيمة الوحيدة لديه هي تعاطي المواد التي أدمن عليها ، التي أصبحت هي كل شيء بالنسبة له ..فقد تلاشت النشوة لديه عند ممارسة جميع الوظائف الطبيعية .. وحتى نشوة تعاطي المخدر تأخذ في التلاشي هي أيضا حتى تصل به الحال الى انه قد أصبح عبداً للتعاطي لأنه إذا توقف فان هناك عقاباً أليما في انتظاره .. وهي الأعراض الانسحابية .
يا سبحان الله .. لقد خلق الله الإنسان وخلق له من وسائل المتعة الطبيعية ما يجعله يتمتع بحياته .. وجعل له أوقاتاً معلومة للإحساس بالنشوة والسعادة .. ولكن طمع البعض يدفعهم لان يحصلوا على قدر أكبر من المتعة واللذة وذلك بتعاطي المخدرات والمنشطات ..فإذا ما أدمنوا عليها ..فقدوا كل وسيلة للمتعة والسعادة .. وأحالوا حياتهم الى جحيم لا يطاق.